السبت، فبراير 03، 2007

وأد اللحظات

وأد اللحظات


دعني أخبرك بشيء . أن الأوقات التي تمر علينا لا تموت بمجرد انتهائها حتى اللحظات العابرة تظل تصارع داخلنا حتى تستطيع أن تظهر مرة أخرى ونتذكرها .

ماذا ؟… أتسألني عن أي شئ أتحدث.

وأين كنت طوال الفترة السابقة؟

حسنا سوف أخبرك ولكن لا تندهش مما سوف تسمع .

تعلم أن في حيات كل فرد منا ثوابت ومتغيرات لتقل انك يجب أن تنام ليلا وتستيقظ في الصباح أو حتى يجب أن تنام صباحا وتستيقظ ليلا ويجب أن تأكل طعام الإفطار في الصباح ويجب أن تذهب إلى العمل كل يوم. هذه هي الثوابت أشياء لا بد أن تحدث في حياتنا كل يوم لا نستطيع التخلي عنها بإرادتنا أو رغم عنا أم المتغيرات فمثلا اليوم يمكن أن تجلس معي عدة ساعات ثم تعود إلى منزلك ومن الممكن أن تأتى إلى وتجلس ثم لا تعود إلى المنزل ومن الممكن ألا تأتى إلى وتذهب إلى مكان آخر تستطيع فيه الجلوس بمفردك بمعنى انك لست ملزم بعمل شئ في الفترة التي تتخللها الثوابت فلا يمكنك أن تجلس معي مثلا أثناء نومك أو أن تأتى إلى وأنت في مكتبك في نفس الوقت .

أرى الدهشة قد اعترت وجهك سوف أخبرك عن مشكلتي وارجوا أن تفهمها .

صديقي إلا تشعر بالجوع فجأة وذلك بسبب تذكرك انك أكلت منذ فترة طويلة. أو انك لم تتناول إحدى الوجبات ويستحوذ هذا الشعور عليك لدرجة انك تذهب لتأكل . لنقل انك لم تتذكر هذا فلن تشعر بالجوع في هذا الوقت ومثلا عندما تفارق محبوبتك فهي تستحوذ على تفكيرك معظم الوقت بعد هذا الفراق وتجلس وتتذكر حوارك الأخير معها جميع حروفه وكلماته .

هذه هي مشكلتي الروابط التي نلتزم بها واللحظات التي تمر علينا ثم لا تنتهي القيود والأفكار العودة إلى المنزل لأنه لا يوجد مكان آخر أعود إليه سواه الإفطار في الصباح لأنه لو تناولته ليلا لن يكون الإفطار ولكنه يكون العشاء .

لذلك فقد قررت التحرر نهائيا من كل شئ وأى شئ اجبر عليه . التحرر من كل لحظة تمر ثم تجتاحني حتى تحتويني. فعزمت أمري وأحضرت حقيبتي التي تحتوى على عدة أشياء بسيطة حتى يسهل حملها وذهبت إلى هذا البلد الساحلي ذهبت لكي أحطم الثوابت وأوئد اللحظات .

بدا كل شئ لي طبيعي بعد أن قضيت فترة بسيطة في هذا البلد الساحلي وظننت أنني فزت بالمعركة فها أنا أعيش دون لحظات دون ذاكرة دون أي شئ حتى ظننت أنني طائر يطير في خطك مستقيم لا يعود للخلف أبدا يأكل وقتما يشاء يستريح وقتما يشاء كل شئ كما ابغيه التحرر. التحرر الكامل من كل شئ حتى الوصول إلى لا شئ .

ظننت أنني كسبت المعركة فعلا ولا مجال للمناقشة فقد بدأت اللحظات الماضية تموت بالنسبة لي لا يزعجني أن كنت أكلت أو لا حتى آكل مرة أخرى لا يهمني أن كانت هذه محبوبتى أو لا فهي بالنسبة لي ماضي في لحظتها والماضي يموت فور انتهائه حتى اكتشفت الحقيقة التي كادت أن تدمرني وتدفعنى إلى الجنون .

فى ذلك اليوم بعد مرور مدة لا اعلم مداها فى هذه المدينة الساحلية الجميلة وأنا أتنزه ليلا على شاطئ البحر أتناول طعام فطورى واحمل الحقيبة على كتفى انتابتنى رغبة غريبة للنزول إلى البحر ونزلت فى هذا الوقت المتأخر من الليل والشاطئ شكله يبعث الرعب فى القلب لكنه سحرنى وجذبتنى أمواجه بزبدها اللامع فخلعت ملابسى واقتحمت البحر تلذذت ببرودة مائه وقوة أمواجه وأمضيت وقتا لا اعلم مداه فى وسط البحر ولكنى فجأة انتابتنى رغبة بالخروج من الماء فخرجت وجلست على الشاطئ وكانت الشمس قد بدأت فى اغتصاب عذرية السماء حتى كادت أن تحتويها بين أضوائها رأيت هذه الصخرة والموج يحتضنها ويترك زبده عليها كما يترك الحبيب القبلة على خد حبيبته . لم أستطيع أن أقاوم ويدى تمتد إلى حقيبتى ابحث فيها عن القلم والورقة حتى أقوم برسم هذه الصخرة الجميلة التى كدت أن أذوب فيها …. وقبل أن أجد قلمى وجدتنى هى!!!

أتسأل من هى لقد. راودنى هذا السؤال ولكنى لم اهتم به فهي بعد قليل سوف تموت بالنسبة لى بعد موت لحظاتها .

فاجأنى سؤالها وأنا أراقبها حينما سألتنى لماذا تفعل هذا؟ فكرت فى إجابة فلم استطع.. فأنا لا اعرف عن ماذا تتحدث لأنه انتهى . فها أنا قد وجدت القلم ولا ولكنى لا اعلم أين ملابسى لأنها ليست بجوار الحقيبة وأنا لا اعلم أين وضعتها فجأة اندفعت كلماتها حتى كادت تقتلنى .

,, قالت فى هدوء كل يوم تأتى إلى هذا المكان والوقت متأخر من الليل ثم تخلع ملابسك فتقوم بالسباحة حتى بداية النهار . كل يوم نفس الشىء تجلس تستريح قليلا ثم تاخذ قلم وورقة من حقيبتك وترسم هذه الصخرة ؛؛

صدقنى لا اعلم أن كانت تقرأ أفكارى أم ماذا ؟

,, أكملت دون انفعال

أنا أتابعك من فترة تفعل نفس الاشياء دون تغير تذهب إلى المطعم الذى أمامك بعد أن تقوم دون إنهاء لوحتك وتظل تبحث عن ملابسك حتى تتذكر انك وضعتها فى حقيبتك تدخل إلى المطعم وتتناول نفس الأصناف كل يوم طوال هذه المدة نفس الشىء دون تغير ؛؛

أظنك تسأل لماذا أتابعك أنا اسكن فى الحجرة التى أمامك فى الفندق أنا التى تقضى نهارك كله فى متابعتها ومتابعة حركاتها من خلال شرفتك حتى جعلتنى اتبعك لأنك كل يوم تقوم بإنهاء إقامتك فأتبعك أحاول أن أحدثك . كل يوم تذهب إلى موظف الفندق لتأكد له انك لن تعود له اليوم فأنت لا تعلم أين ستذهب.

أنهت كلماتها وقد إصابتى بالذهول . دفعتنى إلى أن اقتحم ذاكرتى وأحارب حتى أستطيع أن أنقذ اللحظات الموءودة قبل أن تموت أحسست بالجنون يصيبنى وأنا اكتشف صحت كلماتها فها هى الحقيبة تمتلئ بصور الصخرة التى لم تكتمل وها أنا أعود لنفس الفندق افعل نفس الشىء كل شئ دون أن اعلم كل شئ كان يحدث كأنه لأول مرة .

عدت إلى الفندق وجدت الموظف يرحب بى بحرارة ويحينى بأسمى ولكنى لم اندهش مثل كل يوم . كما أتذكر كنت اندهش لمعرفته لى على الرغم من عدم تذكرى له .

صديقى لقد أحسست هذه اللحظة أنني مثل العصفور الذى يظل يدور فى حلقة مفرغة حول شجرته إلى أن يتعب فيعود مرة أخرى إلى عشه .

اكتشفت أنني أعيش فى يوم واحد منذ عدة أيام طوال المدة التى قضيتها فى هذا البلد لم أغير ولو حرف واحد مما افعله فكل شئ اصبح جامد الثوابت والمتغيرات واللحظات أصبحت جوامد لا تتحرك اكتشفت أن التحرر الكامل معناه الوصول إلى نقطة الجمود .

كدت أصاب بالجنون عندما انتابنى الحنين إلى محبوبتى واليك فحزمت أمرى وذهبت إلى موظف الفندق لاخبره أنني راحل فقال هل ستأتى اليوم مرة أخرى أخبرته أنى راحل عن المدينة لأنقذ ذكرياتى الموءودة لمحته وأنا أغادر الفندق يطلق لفظ مجنون من فمه فتركته واتجهت إلى محطة القطار.

ليست هناك تعليقات: