الأربعاء، يناير 09، 2008

Coma……غيبوبة

Coma……غيبوبة Add Image

اليوم التقيت فى الطريق بصديقى الذى مات بالسرطان منذ خمس سنوات . على غير عادته كان يسير على الكورنيش فى هدوء , وعلى الرغم من مرور خمس سنوات على وفاته إلا اننى لم ألحظ اى تغير يذكر فى ملامحه فمازال يحتفظ بنفس ابتسامته الهادئة وهذا البريق فى عينيه وهذه الجريدة المطوية فى يده . مجرد رؤيته بعثت فى نفسى الراحة وجعلتنى اسير بجواره على الكورنيش فى تلقائيه لنجلس لساعات انطلق فى الحديث وهو يستمع فى صمت لا يكسره سوى مجرد كلمات قليلة ذات مغزى كعادته دائما . على الرغم من انه كان لسنوات طويلة صديقى العزيز إلا اننى دائما ما ارجعت صمتته إلى كون أنه لا يعتبرنى صديقه بالمعنى المفهوم ربما يعود ذلك لاهتماماتنا المختلفة فهو دائم التعلق بالجريدة المطوية فى يده ونشرة أخبار الصباح التى نستمع لها يوميا على المقهى وما تطلقه من تعبيرات مختلفة ترتسم على وجهه ودائما ما كان يخرج عن صمته ليعلن لى فى امل ان النهاية اصبحت قريبة جدا وكل الاوضاع قابلة للاختلاف اما انا فلم اكن اهتم بهذه الاخبار وهذه الاوضاع يقينا منى بأن الاخبار اصبحت المرحلة الاولى لتزوير التاريخ وان الاوضاع تختلف تماما عن ما نعتقده فلم يعد بيدنا حيلة لاستباق الامور. صراحة لم اكن اهتم بشئ فى هذا العالم سوى بظهور بثينة ورؤية ابتسامتها التى تحيينى كل صباح ربما لذلك اعتقد اننى لم اكن صديقة بالمعنى المفهوم فطوال هذه السنوات لم يحدثنى يوما عن نفسه أوحتى علمت له عنوان ولكن هذا بالتأكيد لم يؤرقنى يوما فهو صديقى رغم كل شئ وهو الوحيد الذى يستطيع ان يعطينى الحلول يكفى انه من شجعنى على الحديث إلى بثينه بعد تردد استمر لسنين طويلة كان يراه فى عينى كل صباح وهى تمر امامنا فى جلستنا المعتاده على المقهى المواجه لمنزلها فى انتظار خروجها .

وعلى الرغم من يقينى بكونه مات منذ 5 سنوات بالسرطان الا اننى طالبته بالعودة إلى جوارى فى المقهى كل صباح كما اعتدنا دائما فمقعده لازال خالى تماما منذ رحيله ولم اسمح يوما لعم حسين بالجلوس فيه وهو ايضا لم يحاول ... عم حسين ليس صديقى بالمعنى المفهوم فقط كنت اتحدث معه بحكم تجاور طولاتنا على المقهى كل صباح وهو ايضا لا يعلم بثينه ولا ينتظر ظهورها كل صباح مثلى ولكنه يعتقد اننى صديقه العزيز ودائما ما كان يتحدث معى عن الماضى وعن صديقه الذى مات بالسكته الدماغيه منذ سنوات وعندما اخبرت صديقى بان عم حسين تألم كثيرا عندما قصصت عليه مدى معاناته مع السرطان قبل الوفاة وتألم اكثر عندما علم بمدى اقتناعى باننى سوف اموت بهذه الطريقة ايضا ابتسم فى هدوء كعادته دائما وسألنى عن سبب اصرارى على موته بالسرطان فهو لم يخبرنى بذلك يوما . صراحة لم اتوقف كثيرا امام كلماته لاننى كنت على يقين انه يقولها للتخفيف عنى لعلمه بمدى تأثرى بمعانته فى صراعه مع هذا المرض ووفاته ولحظاته الاخيرة التى لا تفارقنى يوما . واكدت عليه اننى سوف انتظره فى الصباح قبل رحيله وتركه لى على الكورنيش وحيد.
ربما يكون انتظار مرور بثينة من امامى كل صباح هو الدافع الوحيد لبقائى على قيد الحياة .. المشكلة اننى لم اعد استطع ان احدثها أمام الجميع كما فى الماضى خاصة بعد فقدى لوظيفتى فى هذه المؤسسة الاجنبية الضخمة وعدم استطاعتى الحصول على وظيفة اخرى بعدها لكن بثينة تعلم جيدا ان الخطأ ليس خطأى بالمرة وان ما حدث لا يوجد له سبب سوى تفاخر ذلك المدير بمركزه الجديد كما يتفاخر ببدلته المستورده غالية الثمن وهاتفه المحمول الحديث جدا اثناء نزوله من سيارته كل صباح امام باب الشركة التى كنت اعمل بها وتعمل بها بثينه ... بثينه ايضا لاتصدق ما يردده عم حسين دائما عن عدم محاولتى للبحث عن عمل من الاصل فهى تعلم جيدا انه من الصعب الحصول على عمل يتناسب مع خبرتنى ومركزى السابق فى هذه المؤسسة الاجنبية الضخمة .ومن الصعب على ان اتنازل واقبل اى عمل اقل مما وصلت إليه فى السابق لذلك اخبرتنى انها سوف تنتظرنى وانا اعلم انها تعشقنى الى مالانهاية لذلك انتظرها كل صباح على المقهى المواجه لمنزلها وهى تنتظرنى ايضا كل يوم بعد العمل على بداية الطريق المؤدى إلى الكورنيش لنسير معا لساعات طويلة محتضنين الايدى ننشر حولنا الحب والسعاده تتابعنا عيون الجميع فى حقد لكنى لم اعد اصحبها إلى المنزل كما فى الماضى على الرغم من انها لا تمانع فى ذلك بسبب الخوف عليها من كلمات عم حسين وباقى افراد المقهى الذين يتلذذون بهذه الاحاديث . لذلك احرص دائما على الا يراها عم حسين او ينتظرها كل صباح .

اليوم هناك شئ مختلف فصديقى الذى مات منذ 5 سنوات لم ياتى هذا الصباح رغم تأكيدى عليه بالامس وبثينه ايضا لم تظهر لتلقى على ابتسامتها التى تحيينى كعادتها دائما كل صباح منذ سنين طويلة فلا ابادلها الابتسام من مكانى فى المقهى حتى لا يلحظ عم حسين أى شئ . ايضا هذه الحركة الغير عادية التى تحدث فى بيت بثينه المواجه للمقهى وهذا العدد من الناس المتوافد على المنزل والانوار التى بدأت تزين المنزل فى جمال... لم اغادر مقعدى فى المقهى هذا اليوم منتظرا ظهور بثينة موجه نظرى إلى المنزل متجاهل حديث عم حسين المتتالى الذى يدفع به فى اذنى ...
فى المساء ظهرت بثينه ترتدى فستان عروس ابيض فضفاض كالذى كانت تحلم به دوما تتعلق فى ذراع رجل اخر يلقى عليهم الجميع الورود ... للحظة تمنيت ان تصيبنى سكته دماغيه كالتى اصابت صديق عم حسين مع اندفاع كل هذه الاسئلة فى رأسى .... لماذا لم تخبرنى بالتأكيد لم اكن سأمنعها من الارتباط بأخر .. ربما لو اخبرتنى كنت سأحاول البحث عن حل لما حدث بيننا مؤخرا .. لكن ما حدث حدث بإرادتها فهى من اغرتنى فى البداية .. ربما ما يحدث يحدث الان رغما عنها فهى قد انتظرتنى كثيرا ربما يحدث لانها تريد ان تدارى الخطأ ... ربما علم اهلها بالخطأ ويجبروها على ذلك ... ربما يعلم هو بما حدث ويجبرها على ذلك مهددا ايها بفضح الخطأ فمن فى ذلك العالم لا يرغب ببثينه حتى لو اخطأت ... ربما اشياء كثيرة جدا لكنى بالتأكيد لا استطيع تركها فريسة لكل ذلك ... بالتأكيد سوف اخلصها من كل هذا حتى لو كان الثمن حياتى .... اندفعت وسط الجميع محاول تخليصها من يده و قتله فهى لى وستظل لى ... تكتل الجميع على فتمسكت ببثينه وفستانها الفضفاض محاول انهاء صرخاتها المتواصله وحمايتها من محاولة فتك الجميع بى وبها ...
تدخل عم حسين انقذنا من يد الجميع ولم يجد حل ينهى به الموقف سوى وصمى بالجنون مؤكدا ذلك بأن العروس لا تدعى بثينه اصلا ولم يدعوها احدا بذلك يوما الصدمة الكبرى كانت فى موافقت بثينه والجميع على ما يقول وتأكيد بثينة بانها لم تلحظنى يوما انا او صديقى على هذا المقعد على المقهى المواجه للمنزل او انها تحدثت معى يوما بعد ان اخبرت أنا الجميع عما حدث بيننا لسنين طويله بالتفصيل وكيف تطور واعلنت للجميع قدرتى على اصلاح الخطأ ... كنت استطيع ان احتمل اى شئ سوى ان تنكرنى بثينه ويتضامن معها الجميع لدرجة ان يلقبوها باسم لا اعلمه غير اسمها وتوافقهم هى على ذلك ... بالتأكيد هى تعلم ان الخطأ ليس خطأى فهى من اغرتنى فى الاساس بل الخطا ليس خطأها فهى انتظرت معى سنين طويلة الخطأ يعود إلى ذلك الرجل الذى افقدنى وظيفتى فى تلك المؤسسة الاجنبية الضخمة ليتفاخر بمركزه كما يتفاخر ببدلته المستورده غالية الثمن وهاتفه المحمول الحديث جدا اثناء نزوله من سيارته كل صباح فلولاه ما حدث كل ذلك .

انتظرته فى الصباح لانتنقم واجعله يدفع ثمن تفاخره وعندما منعنى الجميع عنه ... اخبرتهم بما فعله مصرا على كشف حقيقته أمام الجميع اخبرنى حارس امن المؤسسة انه يعمل فى الشركة منذ بدايتها ولم يرانى اعمل هنا يوما اتهمنى الجميع بالجنون اقسمت لهم انه متضامن معه ومع من يطلقون على بثينه اسم غير اسمها تجاهلنى الجميع موافقين على اتهامهم لى بالجنون .

فى المقهى جلست على مقعدى المعتاد كل صباح منتظرا ظهور بثينة لتلقى على ابتسامتها التى تحيينى كل صباح فهى لا تبخل على بذلك ابدا . وعندما سألت صاحب المقهى عن رؤيته لصديقى الذى مات بالسرطان منذ خمس سنوات الذى يجلس معى كل يوم اجابنى فى امتعاض انه منذ قدومه لهذه البلد وافتتاحة هذا المقهى منذ عدة ايام فقط لم يرى احد من رواده يجلس مع احد ولا يعلم اى شئ عن هؤلاء الاصدقاء الوهمين الذى يسأله الجميع عنهم مال على عم حسين واخبرنى بالا اهتم بما اقول فهو ينكر حتى رؤيته لصديقه الذى مات بالسكته الدماغيه منذ سنين رغم رحيله من لحظات قليلة .... ...أما انا فكنت على يقين من عدم حضور صديقى الذى مات بالسرطان منذ 5 سنوات على الرغم من انه لم يخبرنى بذلك يوما فلا يوجد سبب اخر فى العالم يمنعه من الجلوس بجوارى على المقهى كل صباح كما اعتدنا دائما سوى معانته مع مرض السرطان الذى اشفق عليه منها كلما اتذكرها واتذكر لحظات وفاته الاخيرة بهذا المرض الذى سوف يصيبنى ايضا.
Tamer_silit
9/1/2008
8.15am