الثلاثاء، أغسطس 26، 2008

سكة المهابيل فى درب نص الليل


سكة المهابيل فى درب نص الليل

" لا جدار بيلم ولا مرًه بتهم . انا مش مجنون لكن لو العقل معناه انى اكون زيك وزى الباقى يبقى مش عاوزه يا باشا "
صراحة لم اكن اعلم اذا كان صمتى وعدم الاعتراض على كلماته هو اعلان منى عن فشلى فى وضع اعتراض منطقى مناسب امام كلماته ام نتيجة خوفى منه ومن وانتصابه امامى بجسده النصف عارى الضخم متباهيا بعضلاته المفتولة وشعره الاشعث المتناثر فى كل اتجاه ونبرة صوته التى تحمل كل ما يحمله الشباب من قوة وعنفوان لذلك ابتلعت صمتى ورحلت فى هدوء دون حرف واحد وانا ابحث داخلى عن عيبى الذى يجعله يرفض ان يكون مثلى .... لكنى لم استطع الرحيل فقط توقفت على الجهة الاخرى من الرصيف اتابعه وهو يجلس امام بضاعته المرصوصه على الرصيف فى صمت مثل كل يوم يضع فى اذنه سماعتان صغيرتان متصلتان بجهاز موسيقى حديث يدندن معه بكلمات غير مفهومة ويطلق ابتسامته الساخرة من الجميع لا يهتم ببيع او شراء أو يدخل فى جدل حول سعر ما يبيعه احينا يرضى بنصف الثمن واحيانا اخرى يطلق سعرى خيالى عن نفس السلعة ولا يرضى باى فصال ..

هكذا هو يوميا منذ انتقاله لوضع بضاعته على مدخل الطريق الذى نطلق عليه سكة المهابيل ذلك الطريق الطويل الضيق جدا والذى لا يتسع لمرور سيارة واحده ويربط طرفى البلده ببعض
طريق نشأ بين سور مصنع ضخم متهالك انشئ منذ سنوات طويلة وسور مجموعة من المدارس لينشأ درب خاوى ومرتع خصب لجميع الحيوانات الضالة فى المدينه بظلامه الدامس بعد الغروب لدرجة ان المرور فيه مساء اصبح نوع من الجنون وان كان ذلك لم يمنع الكثير من العشاق العاجزين عن ايجاد جدار واحد لاحتواء مشاعرهم عن اقتحامه وتحدى ظلامه وحيوناته الضالة واهدى على مر السنين لذلك الطريق اسمه .
اما هو فاستوطن مدخل الطريق منذ ايام لا اعلم مداها بمنتصف جسده الضخم العارى وشكله الذى يدل على كل معانى التشرد والجنون وان كان هذا لم يمنعه من اطلاق ضحكته الساخرة والمستفزه فى كل يوم وكانه يجلس هنا فقط لينتظر مرورى ويعلن سخريته. مما دفعنى لمواجته فى ذلك اليوم والحصول على تلك الاجابه التى تحمل بالنسبة لى استفزاز اكثر من اى شئ اخر فى ذلك العالم .
نظرت فى ساعتى تأكدت ان الذهاب إلى العمل اصبح شبه مستحيل استسلمت فى رغبتى لمراقبته القيت بجسدى على الرصيف المقابل معلنا لنفسى ان الانتظار سوف يطول غير مهتم بتلك الشمس الملتهبة التى تحرق الجسد او بحبات العرق التى تترك خطوطها المالحة الطويلة فى بدلتى الوحيده التى امتلكها لم اهتم حتى بسيارتى التى لم انتهى بعد من تسديد ثمنها رغم مرور ثلاث سنوات من شرائها كانت كافيه لجعلها متهالكة ولا تساوى ربع الثمن الذى لازلت اعمل على تسديده والسيارة الخاصة بالمرور تسحبها لجهة لا اعلمها بعد ان القيتها فى منتصف الطريق لمواجهته .......
صراحة لا اعلم كم من الوقت مر وانا اراقبه وهو على نفس الحال منذ الصباح يدندن بكلماته الغير مفهومه ولا يهتم بشئ اخر فى العالم سوى بالارتباط بهذه السماعات الموضوعة فى اذنه وانا كما انا عاجز عن فهم تلك الضحكه الساخرة التى تثير داخلى كل غضب العالم او حتى عن فهم رفضه ان يكون مثلى وان كان دخوله فى حوار طويل مع احد السياح الاوربين استفذنى ودفعنى للاقتراب منه لاكتشف انه يتحدث معه بلغة انجليزية واضحة وصريحة وعندما عجز السائح عن مجاراته تحول لدعمها بالكثير من الكلمات الايطاليه والتى تبدوا انها لغة السائح الام ... مع رحيل السائح جلست بجواره فى صمت أم هو فعاد لطبيعته الاولى وكلماته الغير مفهومه والتى تصاحبها احيانا بعض الحركات التى ربما تتوافق مع الايقاع الذى لا يسمعه سواه لا يلتفت لوجودى بجواره وكانى لا شئ ........

اقتربت الشمس من المغيب وانا وهو على نفس الحال فى النهاية لم استطع ان امنع نفسى من الانفجار فى وجهه معلنا له ان حتى لو رغب فى ان يكون مثلى فأنه لا يستطيع ذلك فهو فى النهاية ليس سوى شخص مشرد جاءت اجابته مع ضحكة ساخرة لا احتملها
" مش عاوز بحسبتك كنت احسن منك ومش عاوز... الحياة نتيجة وانت ايه نتيجة حياتك عربية بالتقسيط وبدلتين او تلاته بتحوش سنه علشان تجيب بدلة جديده قصة حب فاشلة علشان ممعكش مكتب محترم بتصبر بيه نفسك على مديرك رغم المرتب اللى مش بيكفى لاخر الشهر والشغل اللى بيساوى اضعاف اضعاف المرتب كل اسبوع تدور على عروسة عارف انك مش محتاج منها غير انك تنام معاها كل خميس علشان تبقى اب ولو منفعش يبقى كل اتنين وخميس وهى راضيه بكده علشان تبقى ام وعمر ما حد فيكم سأل التانى اشمعنى اتنين وخميس وسنين تمر وانت عمرك ما نمت معاها علشان تحسها ولا هى عمرها حستك ونصبر علشان الحياة لازم تمشى وانت بتدفع بعد قسط العربية قسط شقة والشغل يبقى شغلين وكل خميس يبقى كل خمسيين انت ايه ولا حاجة مفيش نتيجة زيك زى كتير فى المفرمة بتتفرم وبتقول معلش هانت ... وانا كمان ولا حاجة بس الفرق انا حر انا بحسبتك كنت احسن منك شهادة ووظيفة وعربيه خلصت اقسطها لكن انت متقدرش تكون زى متقدرش تخرج من المفرمة متقدرش تفهم يعنى ايه تحس الحياة الشمس والهوا والهدوء والجنون وبتاكل بسرعة وبتشتغل بسرعة وبتمشى بسرعة علشان تلحق حاجة مش عارفها وفى النهاية بتموت بسرعة قبل ما تعرف اللى كنت عاوزه
انا مش مجنون بس مش زيك "

صمت طويل انتابنى لم يخطئ فى حرف واحد مما قاله وكانه يحيانى بالفعل الحياة نتيجة وما اهمية اى نتيجة فى ذلك العالم اذا كنا لا نستطيع الحصول على لحظة هدوء نفسى واحد او لحظة سكينه اذا كنا نندفع مع امواج البشر نبحث عن شئ لا نعرف اذا كانت كل النتائج تؤدى إلى زيادة الاندفاع والسقوط بين تروس المفرمة للحظة تمنيت ان اكون مثله لا احمل اعباء ذلك العالم ..

افقت من غيبوبة صمتى الطويل نظرت فى ساعة اليد وجدتها تعدت منتصف الليل بقليل بحثت عنه لم اجده بجوارى قادنى فضولى داخل سكة المهابيل بظلامها الدامس فاين من الممكن ان يوجد مجنون سوى بهذا الطريق وجدته فى منتصف الطريق عارى كما ولدته امه يدندن بكلماته الغير مفهومة يتحرك فى حركات راقصة انسيابيه لا تتوافق مع ضخامة جسده انتابتنى رغبة عارمة فى أن اقلده اغمضت عينى بدأت استمع لموسيقى العالم التى لا اعلم مصدرها تحسست نسمات الهواء البارده تخترق الجسد تمردت على الملابس تمردت على نفسى تمردت على العالم ورغم الظلام اصبحت الرؤية اكثر وضوحا وبدأت حركات الجسد فى التناغم مع موسيقى العالم صرخت اخرجت كل غضب العالم من داخلى رقضت وتحررت التحرر الكامل من كل شئ للوصول للا شئ فانا فى النهاية لا شئ تلاشيت مع الهواء واتحدت مع الارض وتناغمت مع الحيوانات الشارده لم اتوقف سوى مع شروق الشمس وانا اشعر بكل راحة العالم تتجمع داخلى ....

تمردت على العمل انطلق اخبر الجميع بروعة التجربة فى النهاية انتهيت إلى جواره انتظر منتصف الليل للدخول إلى سكة المجانين تبعنى بعض من اخبرتهم يريدون خوض التجربة بعد تأكدهم من حقيقة كونهم لا شئ .... مع مرور الايام زاد العدد مع انتشار الخبر واصبح الجميع يتوقف منتظرا ان يخوض درب التحرر الكامل درب منتصف الليل اللا نهائى للهروب من لا شئ إلى لاشئ نصرخ ونرقض ونرقص وكل يوم يصبح العدد فى ازدياد انضم إلينا الكثير من النساء والكثير من الرجال واصبح سكة المهابيل هو الطريق السرى الوحيد للتحرر والذى لم يحتمل العدد توقفنا عن الرقض حيث لم تعد هناك مساحة للرقض فقط اصبحنا نرقص وندور فى حلقات مفرغة لا تنتهى سوى مع شروق الشمس.

زات يوم لم نتوقف مع الشروق وتعدينا درب نص الليل وتابعنا نستحم بنور الشمس هالنا ضخامت العدد فى وضح النهار وكان كل من فى المدينه لا يساوى شئ ويهرب من لاشئ إلى لاشئ لم نخجل من عرينا وانطلقنا خارج سكة المهبيل ننطلق بجنونا داخل شوارع المدينه تقتتحم صرخاتنا صدور الجميع تبعنا الكثير ورفضنا البعض تحولت المدينه إلى بحر من التمرد لا تستطيع قوات الامن ان توقفه بل اندفع بعضهم معنا فى جنوننا ..........
" لا جدار بيلم ولا مرًه بتهم . انا مش مجنون لكن لو العقل معناه انى اكون زيك وزى الباقى يبقى مش عاوزه يا باشا "
هذه كانت كلماتى لظابط الشرطة الماثل امامى ليحرر لى محضر بتهمة اثارة الشغب والتحريض على التجمهر وتهمة فعل فاضح فى الطريق العام دون ان يعى ما يحدث
Tamer_silit
16/08/2008
1.10am

الثلاثاء، مايو 27، 2008

ميلاد موت


ميلاد موت




( لا توجد حقيقة مطلقة فى هذا العالم فالحقيقة تتكون من كيفية رؤيتنا للامور )
اطلق ضحكة لامبالية اعتراضا على ما اقول مواصلا سيره الموازى لى على ذلك الكوبرى اعلى النهر مخترقا بعينه القاع محاولا اثبات ان المشكلة تكمن فى كيفية تفسيرنا للامور وان واقع الحياة انقى من كل ذلك وعندما ظهر هذا الطفل فى منتصف النهر مستغيثا بالجميع من الغرق حاولت منعه من القفز إليه مدعيا ان ما يحدث ما هو سوى صورة اخرى لتمثلية الراعى والذئب اطلق ضحكته اللامباليه معلل إندفاعه بماذا لو كان يغرق حقا وماذا لو اعتقد الجميع مثلى!! وقفز ....
سبح الطفل بسرعة إلى اتجاه الشاطئ ووقف وعلى وجهه ابتسامة تعلن انتصاره على ضحيته الجديده منتظر ظهوره مرة اخرى وكلما طال وقت اختفاؤه داخل النهر كانت ضحكت الطفل تختفى ليحل محلها الرعب وانا يبدأ اقتناعى بأن واقع الحياة أوضح من جميع تفسيرتنا يزداد ....

******
اطلق دخان سيجارتى ليحتوى الفراغ المحيط بنا بينما هى تسترسل فى حديثها عن زوجها ومدى عشقه لها وحنانه ومحاولاته الدائمة لارضائها مؤكده كلامها بانها اكثر النساء حظا فى العالم ..
وعندما سالتها هل تشعر بالالم عندما تخونه ألقت بجسدها العارى على صدرى مندفعة معى فى قبلة شهوانيه غريبة مؤكده لى أن قمة الرغبة تنبع من الرفض وانا فقط من رفضها كثيرا

******
( لا يوجد شئ فى هذا العالم يكفى ليمنح الانسان شعور بالرضى سوى نفسه ) هذا ما اكدته لنفسى بعدما اكتشفت ان على الرغم من كل ما استطعت تحقيقه فى الحياة لم احقق شئ وان سعى الدائم والمندفع دائما وراء شئ اجهله لن يتوقف يوما مهما كان شعور الجسد بالتعب أو النفس بالانسحاق سوى مع توقف القلب عن نبضاته وان لحظات الراحة لاتاتى سوى من داخل النفس نفسها.... تذكرت موعدى القادم فاندفعت لاهثا محاولا اللاحق به مؤكدا لنفسى ان الشعور بالرضى لا ينبع سوى من النفس نفسها ... فقط اذا استطعنا العثور عليها

******
انا لا اخشى الموت لا اخشى هذه اللحظة التى يتوقف فيها المخ عن ارسال نبضاته الكهربائية إلى الجسد او عندما يتوقف القلب عن حركته فهذه نهاية ليست اكثر وانا لا اخشى النهايات .... لكن اكثر ما اخشاه هى لحظة ميلاد هذا الموت فلكل موت ميلاد يبدأ عندما تكتشف انه لم يعد هناك شئ اخر تستطيع تحقيقه سواء كنت فى قمة الحياة وحققت كل ما تريده او فى القاع ولم تحقق اى شئ ولم تعد تملك القوة او الرغبة فى تحقيق اى شئ ... لذلك كان لابد من وجودها هى ...كان لابد من وجود شغفى الدائم بها من وجود هذا السعى الدائم إليها ومحاولت تحقيق الحلم بها حتى نظل فى منتصف الحياة فانا احى بها ومعها ولها ولكن دائما كان يقتلنى هذا السؤال ماذا لو رحلت ...

*****
هذا الصمت والبسمة التى لم تعد تولد حين ترانى الجمود البادى على وجهها اللمسات البارده الحديث الذى يقتل فى المنتصف وكانه لا اهمية لاكتماله اشياء لم اعتادها منها من قبل .. اشياء تخبرنى ان ذلك الحبل السرى الذى نشاء بيننا لحظة اللقاء لتنشأ دائرة الاكتمال قد بدأ فى الانقطاع ... اعلم انها انتظرتنى كثيرا واحتملتنى كثيرا احتملت معى الانسحاق حتى النهاية عندما سحقتنى الحياة ... اعلم انها تخشى مشاعرها لكن عندما اتحول بالنسبه لها إلى انسان عادى مثل الجميع تخفى امامه مشاعرها بهذا القناع من الصمت ومن الحده تحقق ما اخشاه منذ سنين فى كل مرة كانت ترحل عنى دون ان تنظر خلفها .... لم تتسأل يوما عن سبب انتظرى بعد رحيلها ومنادتى دائما لها مرة اخرى بعد رحيلها لتلتفت خلفها متعللا بالتأكيد على اتصالها بى فى المساء ... لم تنظر خلفها يوما بعد رحيلها سوى فى ثانى لقاء لنا .. وقتها فقط تأكدت من علمها بقدرتى على رؤيتها كما لايستطيع الاخرين ان يروها .. تأكدت من اننى سوف اعشقها كما لم يعشق احد من قبل فتكون منى واكون منها ... وقتها فقط تأكدت من سبب قدرتى على الرفض و رفض هذه القبله الشهوانية وهذا الجسد العارى الملقى على صدرى لانى لا استطيع ان اخونها حتى من قبل ان اراها ... وقتها فقط تأكدت من مدى ابتعاد لحظة ميلاد الموت عنى .. لكنها الان تجعلنى اقف دائرا حولى اتساءل وانتظر ان تبتسم حين ترنى وان تنظر خلفها مرة اخرى بعد الرحيل

*****
صديقى الصاعد من النهر اخبرنى انه لم يغضب من ذلك الفتى الذى ادعى الغرق على الاطلاق رغم تعريضه للموت فهناك أمور فى ذلك العالم لاتحتمل سوى المغامرة وان مشكلتى فى فى هذا العالم رغم اندفاعى الدائم للمغامرة هى كونى عكس باقى البشر ارفض عدم وضوح الرؤية وانصاف الحلول ارفض ان اعيش بنصف مشاعر وارفض ان تاخذنى الحياة اخبرنى ان مشكلتى فى الحياة تكمن فى اعتقادى بانه اما هناك وجود او لا وجود... صديقى الصاعد من النهر اخبرنى انه غاب كثيرا داخل النهر لانه شعر بالراحة عندما احاط النهر بكل شئ وفصله عن هذا العالم فلم يحاول حتى الصعود لانقاذ ذلك الطفل الذى يدعى الغرق ... تركته وانا لا احمل فى نفسى سوى تساؤل واحد يؤرقنى هل سوف تنظر خلفها بعد الرحيل يوما ام ان ميلاد الموت قد بدأ بالنسبة لى بالفعل

السبت، فبراير 23، 2008

كان يقف هناك يبتسم


لابد ان اجده .....
هذه هى الكلمة الوحيدة التى كانت تترد داخل راسى فى رحلة العودة إلى ارضى الام . لكن كيف فهو كعادته دائما يجيد الاختفاء عندما يريد .
لا استطيع ان انكر مدى قسوته . ولا استطيع ان انكر انه أسر فينا جميعا بالسلب نتيجة قسوته التى لا تجد ما يصدها فتترك اثارها فى اجسدنا النحيفة فلا يستطيع الزمن ان يمحوها . لكن فى النهاية
كان يبقى سؤال واحد داخلى هل يستحق ذلك فعلا .
سنين طويلة مرت دون ان اراه بعد صدامنا الاخير وتركى للبيت رغما عن ارادته .. أحيانا كثيرة كنت اعتقد انه محق فى تبريره لقسوته بانها يخشى علينا من الحياة نفسها .. احيان كثيرة اعتقد انه لولى هذه القسوة لما استطنعا ان نواجه الحياة بكل قسوتها .
اين يستطيع ان يختفى انسان قارب على الثمانين لا تقوى قدماه على حمله ... ولا يرضى اولاده برعايته بعد رحيل زوجته فكعادته اعلن تمرده على كل شئ ولا شئ وفرض سلطته المطلقة وفر من دار المسنين واختفى .
نظرت فى وجوه اخوتى المجتمعين داخل منزله القديم لرؤيتى بعد هذه السنين . لم يتطرق احد منهم لموضوع اختفائه وانتابنى الشك حتى فى محاولتهم العثور عليه رغم مرور اسبوع على اختفائه ... حاولت ان اجتر معهم الذكريات فؤجئت بهذا الكم الهائل من الحقد والكره داخلهم له ... وما تحمله ذكرياتهم له ... لم يجرؤ احد على مواجهته فى وجوده سواى رغم انى اصغر ابناؤه ... وكانوا يتهمونى امامه بالحقد والتمرد . الان اصبح لقمة سائغة لهم .
تذكرته وتذكرت أنه رغم قسوته لم يترك احدنا يوما ينام حزين ... لم يترك احدنا يوما دون ان يحتضنه ويمسح دمعة الالم عن وجه بعد ان تهدأ ثورته . احيانا كثيرة كنت اشعر به يتألم اكثر مننا .
تذكرته وتذكرته مدى رعبه عندما كان يمرض احدنا او حتى يتأخر قليلا عن موعده .
تذكرت صوته فى الهاتف كلما حدثنى يرجونى ان اعود وانا اصر على موقفى وارفض العودة على الرغم من احساسى بدموعه تنهمر فى صمت .
تذكرته فى ليالى الشتاء البارده عندما كان يجمعنا حوله ويقف فى منتصف صالة المنزل يمرح مع الجميع ويطلق نكاته لتتوالى موجات الضحك فيملاء الدفء المكان .
تأملت وجوه اخوتى كثيرا تذكرت مكالمتهم لى التى كانت لا تأتى إلا عندما يريد احدهم شيئا من بلاد الغربة ... شعرت بالاختناق تأكدت بأن كل الهواء داخل المنزل اصابه الفساد .
لا يستحق كل هذا .... صرخت بها فى وجه الجميع وانا انتصب فى منتصف صالة منزله القديم
لا يستحق كل هذا فعلى الرغم من كل شئ كان يقف هنا يبتسم ... قلتها واتجهت خارج المنزل وانا مصر هه المرة على ان اجده

الأربعاء، يناير 09، 2008

Coma……غيبوبة

Coma……غيبوبة Add Image

اليوم التقيت فى الطريق بصديقى الذى مات بالسرطان منذ خمس سنوات . على غير عادته كان يسير على الكورنيش فى هدوء , وعلى الرغم من مرور خمس سنوات على وفاته إلا اننى لم ألحظ اى تغير يذكر فى ملامحه فمازال يحتفظ بنفس ابتسامته الهادئة وهذا البريق فى عينيه وهذه الجريدة المطوية فى يده . مجرد رؤيته بعثت فى نفسى الراحة وجعلتنى اسير بجواره على الكورنيش فى تلقائيه لنجلس لساعات انطلق فى الحديث وهو يستمع فى صمت لا يكسره سوى مجرد كلمات قليلة ذات مغزى كعادته دائما . على الرغم من انه كان لسنوات طويلة صديقى العزيز إلا اننى دائما ما ارجعت صمتته إلى كون أنه لا يعتبرنى صديقه بالمعنى المفهوم ربما يعود ذلك لاهتماماتنا المختلفة فهو دائم التعلق بالجريدة المطوية فى يده ونشرة أخبار الصباح التى نستمع لها يوميا على المقهى وما تطلقه من تعبيرات مختلفة ترتسم على وجهه ودائما ما كان يخرج عن صمته ليعلن لى فى امل ان النهاية اصبحت قريبة جدا وكل الاوضاع قابلة للاختلاف اما انا فلم اكن اهتم بهذه الاخبار وهذه الاوضاع يقينا منى بأن الاخبار اصبحت المرحلة الاولى لتزوير التاريخ وان الاوضاع تختلف تماما عن ما نعتقده فلم يعد بيدنا حيلة لاستباق الامور. صراحة لم اكن اهتم بشئ فى هذا العالم سوى بظهور بثينة ورؤية ابتسامتها التى تحيينى كل صباح ربما لذلك اعتقد اننى لم اكن صديقة بالمعنى المفهوم فطوال هذه السنوات لم يحدثنى يوما عن نفسه أوحتى علمت له عنوان ولكن هذا بالتأكيد لم يؤرقنى يوما فهو صديقى رغم كل شئ وهو الوحيد الذى يستطيع ان يعطينى الحلول يكفى انه من شجعنى على الحديث إلى بثينه بعد تردد استمر لسنين طويلة كان يراه فى عينى كل صباح وهى تمر امامنا فى جلستنا المعتاده على المقهى المواجه لمنزلها فى انتظار خروجها .

وعلى الرغم من يقينى بكونه مات منذ 5 سنوات بالسرطان الا اننى طالبته بالعودة إلى جوارى فى المقهى كل صباح كما اعتدنا دائما فمقعده لازال خالى تماما منذ رحيله ولم اسمح يوما لعم حسين بالجلوس فيه وهو ايضا لم يحاول ... عم حسين ليس صديقى بالمعنى المفهوم فقط كنت اتحدث معه بحكم تجاور طولاتنا على المقهى كل صباح وهو ايضا لا يعلم بثينه ولا ينتظر ظهورها كل صباح مثلى ولكنه يعتقد اننى صديقه العزيز ودائما ما كان يتحدث معى عن الماضى وعن صديقه الذى مات بالسكته الدماغيه منذ سنوات وعندما اخبرت صديقى بان عم حسين تألم كثيرا عندما قصصت عليه مدى معاناته مع السرطان قبل الوفاة وتألم اكثر عندما علم بمدى اقتناعى باننى سوف اموت بهذه الطريقة ايضا ابتسم فى هدوء كعادته دائما وسألنى عن سبب اصرارى على موته بالسرطان فهو لم يخبرنى بذلك يوما . صراحة لم اتوقف كثيرا امام كلماته لاننى كنت على يقين انه يقولها للتخفيف عنى لعلمه بمدى تأثرى بمعانته فى صراعه مع هذا المرض ووفاته ولحظاته الاخيرة التى لا تفارقنى يوما . واكدت عليه اننى سوف انتظره فى الصباح قبل رحيله وتركه لى على الكورنيش وحيد.
ربما يكون انتظار مرور بثينة من امامى كل صباح هو الدافع الوحيد لبقائى على قيد الحياة .. المشكلة اننى لم اعد استطع ان احدثها أمام الجميع كما فى الماضى خاصة بعد فقدى لوظيفتى فى هذه المؤسسة الاجنبية الضخمة وعدم استطاعتى الحصول على وظيفة اخرى بعدها لكن بثينة تعلم جيدا ان الخطأ ليس خطأى بالمرة وان ما حدث لا يوجد له سبب سوى تفاخر ذلك المدير بمركزه الجديد كما يتفاخر ببدلته المستورده غالية الثمن وهاتفه المحمول الحديث جدا اثناء نزوله من سيارته كل صباح امام باب الشركة التى كنت اعمل بها وتعمل بها بثينه ... بثينه ايضا لاتصدق ما يردده عم حسين دائما عن عدم محاولتى للبحث عن عمل من الاصل فهى تعلم جيدا انه من الصعب الحصول على عمل يتناسب مع خبرتنى ومركزى السابق فى هذه المؤسسة الاجنبية الضخمة .ومن الصعب على ان اتنازل واقبل اى عمل اقل مما وصلت إليه فى السابق لذلك اخبرتنى انها سوف تنتظرنى وانا اعلم انها تعشقنى الى مالانهاية لذلك انتظرها كل صباح على المقهى المواجه لمنزلها وهى تنتظرنى ايضا كل يوم بعد العمل على بداية الطريق المؤدى إلى الكورنيش لنسير معا لساعات طويلة محتضنين الايدى ننشر حولنا الحب والسعاده تتابعنا عيون الجميع فى حقد لكنى لم اعد اصحبها إلى المنزل كما فى الماضى على الرغم من انها لا تمانع فى ذلك بسبب الخوف عليها من كلمات عم حسين وباقى افراد المقهى الذين يتلذذون بهذه الاحاديث . لذلك احرص دائما على الا يراها عم حسين او ينتظرها كل صباح .

اليوم هناك شئ مختلف فصديقى الذى مات منذ 5 سنوات لم ياتى هذا الصباح رغم تأكيدى عليه بالامس وبثينه ايضا لم تظهر لتلقى على ابتسامتها التى تحيينى كعادتها دائما كل صباح منذ سنين طويلة فلا ابادلها الابتسام من مكانى فى المقهى حتى لا يلحظ عم حسين أى شئ . ايضا هذه الحركة الغير عادية التى تحدث فى بيت بثينه المواجه للمقهى وهذا العدد من الناس المتوافد على المنزل والانوار التى بدأت تزين المنزل فى جمال... لم اغادر مقعدى فى المقهى هذا اليوم منتظرا ظهور بثينة موجه نظرى إلى المنزل متجاهل حديث عم حسين المتتالى الذى يدفع به فى اذنى ...
فى المساء ظهرت بثينه ترتدى فستان عروس ابيض فضفاض كالذى كانت تحلم به دوما تتعلق فى ذراع رجل اخر يلقى عليهم الجميع الورود ... للحظة تمنيت ان تصيبنى سكته دماغيه كالتى اصابت صديق عم حسين مع اندفاع كل هذه الاسئلة فى رأسى .... لماذا لم تخبرنى بالتأكيد لم اكن سأمنعها من الارتباط بأخر .. ربما لو اخبرتنى كنت سأحاول البحث عن حل لما حدث بيننا مؤخرا .. لكن ما حدث حدث بإرادتها فهى من اغرتنى فى البداية .. ربما ما يحدث يحدث الان رغما عنها فهى قد انتظرتنى كثيرا ربما يحدث لانها تريد ان تدارى الخطأ ... ربما علم اهلها بالخطأ ويجبروها على ذلك ... ربما يعلم هو بما حدث ويجبرها على ذلك مهددا ايها بفضح الخطأ فمن فى ذلك العالم لا يرغب ببثينه حتى لو اخطأت ... ربما اشياء كثيرة جدا لكنى بالتأكيد لا استطيع تركها فريسة لكل ذلك ... بالتأكيد سوف اخلصها من كل هذا حتى لو كان الثمن حياتى .... اندفعت وسط الجميع محاول تخليصها من يده و قتله فهى لى وستظل لى ... تكتل الجميع على فتمسكت ببثينه وفستانها الفضفاض محاول انهاء صرخاتها المتواصله وحمايتها من محاولة فتك الجميع بى وبها ...
تدخل عم حسين انقذنا من يد الجميع ولم يجد حل ينهى به الموقف سوى وصمى بالجنون مؤكدا ذلك بأن العروس لا تدعى بثينه اصلا ولم يدعوها احدا بذلك يوما الصدمة الكبرى كانت فى موافقت بثينه والجميع على ما يقول وتأكيد بثينة بانها لم تلحظنى يوما انا او صديقى على هذا المقعد على المقهى المواجه للمنزل او انها تحدثت معى يوما بعد ان اخبرت أنا الجميع عما حدث بيننا لسنين طويله بالتفصيل وكيف تطور واعلنت للجميع قدرتى على اصلاح الخطأ ... كنت استطيع ان احتمل اى شئ سوى ان تنكرنى بثينه ويتضامن معها الجميع لدرجة ان يلقبوها باسم لا اعلمه غير اسمها وتوافقهم هى على ذلك ... بالتأكيد هى تعلم ان الخطأ ليس خطأى فهى من اغرتنى فى الاساس بل الخطا ليس خطأها فهى انتظرت معى سنين طويلة الخطأ يعود إلى ذلك الرجل الذى افقدنى وظيفتى فى تلك المؤسسة الاجنبية الضخمة ليتفاخر بمركزه كما يتفاخر ببدلته المستورده غالية الثمن وهاتفه المحمول الحديث جدا اثناء نزوله من سيارته كل صباح فلولاه ما حدث كل ذلك .

انتظرته فى الصباح لانتنقم واجعله يدفع ثمن تفاخره وعندما منعنى الجميع عنه ... اخبرتهم بما فعله مصرا على كشف حقيقته أمام الجميع اخبرنى حارس امن المؤسسة انه يعمل فى الشركة منذ بدايتها ولم يرانى اعمل هنا يوما اتهمنى الجميع بالجنون اقسمت لهم انه متضامن معه ومع من يطلقون على بثينه اسم غير اسمها تجاهلنى الجميع موافقين على اتهامهم لى بالجنون .

فى المقهى جلست على مقعدى المعتاد كل صباح منتظرا ظهور بثينة لتلقى على ابتسامتها التى تحيينى كل صباح فهى لا تبخل على بذلك ابدا . وعندما سألت صاحب المقهى عن رؤيته لصديقى الذى مات بالسرطان منذ خمس سنوات الذى يجلس معى كل يوم اجابنى فى امتعاض انه منذ قدومه لهذه البلد وافتتاحة هذا المقهى منذ عدة ايام فقط لم يرى احد من رواده يجلس مع احد ولا يعلم اى شئ عن هؤلاء الاصدقاء الوهمين الذى يسأله الجميع عنهم مال على عم حسين واخبرنى بالا اهتم بما اقول فهو ينكر حتى رؤيته لصديقه الذى مات بالسكته الدماغيه منذ سنين رغم رحيله من لحظات قليلة .... ...أما انا فكنت على يقين من عدم حضور صديقى الذى مات بالسرطان منذ 5 سنوات على الرغم من انه لم يخبرنى بذلك يوما فلا يوجد سبب اخر فى العالم يمنعه من الجلوس بجوارى على المقهى كل صباح كما اعتدنا دائما سوى معانته مع مرض السرطان الذى اشفق عليه منها كلما اتذكرها واتذكر لحظات وفاته الاخيرة بهذا المرض الذى سوف يصيبنى ايضا.
Tamer_silit
9/1/2008
8.15am